الخميس، 24 أبريل 2014

الرسالة الثانية عشر من رسائل حريرية

اليمن، الحديدة، 2014/04/23
عزيزتي فاطمة،
منذ آخر رسالة كتبتها لكِ  و أنا أجمع الكثير من النجوى في جعبة الخاطر لأخبرك به  لكنه ظل هناك محجوز في الداخل فأصابعي لم تكن لتقوى حينها على الكتابة و أنا في تلك الحالة كما أن مجرد التفكير بمرضي و عدد المرات التي أقع فيها فريسة للمرض خلال الشهر الواحد أصايني بالأحباط و الملل و أظنه كان ليصيبك أنتِ أيضا فآثرت أن أبقى بعيدة. في الأيام الماضية تذكرت جيداً ماقلته لي حول طيبتي و كونها سببا ملازما لمرضي...ربما الخيبات تصيبيني بالمرض هذا صحيح لكنني أيضا أفتقد المناعة ضد المرض و لو كنت أمتلك الكثير منها لكنت في أغلب أوقاتي بخير، على كل حال فلتغفري لي يا لالة  كل ما سببته لكِ  من حيرة و قلق.
أحب الصيف و أحب طريقته في الرقص بكل تلك الحيوية و قد شككت اليوم و أنا أغسل وجهي بأنه يستيقظ في منزلنا أولا ثم يعرج على كل المنازل في الجوار  فلقد غمرني منذ اللحظة الأولى التي فتحت بها عيناي. ويبدو أنني الوحيدة التي أحبه فالناس هنا تكافحه بالمكيفات متى ما  توفرت الكهرباء و متى ما انقطعت تبدأ سيمفونية المولدات بالإرتفاع عالياً.
هذه الأيام ينتشر هنا مرض وبائي بين الناس يسمونه " حمى الضنك " هو ليس بالمرض الفتاك لكنه منهك جدا و ملائم جداً ليكون عذر ليخطف الموت به من يشاء و قد كان جارنا أحد المختطفين . طقوس العزاء هنا تختلف من فئة لأخرى ففي حالة جارنا رحمه الله وجدت أهله يعدون اللحم والأرز و يدعون الناس للغداء والعشاء في اليوم التالي لدفنه وكأنه قد تزوج لا مات للتو. وفي الوقت الذي ترقد فيه زوجته غائبة عن الوعي وجدت نساء لا يعلمن حتى اسم المتوفي يزاحمن في التعزية و أخريات ينتظرن مواعيد تقديم الطعام ليأتين و أخريات يحملن بضاعتهن ويتصرفن كالبائعات المتجولات في بيت العزاء كل هذا و أهل الفقيد لا ينبسوا ببنت شفة .. و قد أردت حينها أن أتصرف وأنهي هذه الفكاهة و لكن أي تصرف كان ليعد في عرفهم سوء ضيافة . على كل حال لقد رجوت الله كثيرا ألا يموت زوجي قبلي و بالأخص لو لم يكن لدي أطفال فلا أظنني سأحتمل الوحدة. تعلمين عزيزتي أنا لا أريد الحديث بصدق عن سلة موت جديدة لكن ألاحظت كيف تحصد هذه السنة الأدباء وآخرهم غابرييل مركيز ؟ أظن على الأدباء أن يخشوا على أرواحهم هذه السنة .
   بين حين وآخر في صخب الحياة نفقد ذواتنا فابدئي بقول" أنا فاطمة " لكل من يسأل عن ذات فاطمة و رويدا رويدا ستشرقين كعادتك. تعلمين ما أجمل العتاب و كم أحبه حين يأتي لأنني قد أنشغلت عن أحدهم أو تركت  مساحة فارغة تحتاج عودتي لأملائها و كم أكرهه حين يكون مجرد وسيلة يحاول أحدهم فيها أن يثبت تقصيري فقط إما لأنه يهملني ويشعر نحوي بتأنيب الضمير أو يحاول ألا يشعر فيتخذ من تقصيري حجة و قد ذكرتني بصديقة  قديمة اتصلت بي ذات يوم وعاتبني بمجرد أن قلت " آلو "  و أغلقت السماعة قبل أن يتاح لي قول " كيف الحال ؟ " فبدوت كمن صبوا عليه ماء مثلجا فتجمد وكم ضحكت يومها.
"كوكو شانيل" ؟ طبعا أعرفها ولا أرى في كونها تنظف وحدها حالة تعبر عن الهوس بالنظافة أو الوحدة أو الجنون أراها امرأة طبيعية تمارس شئونها بشكل طبيعي و أرى الغرابة في تصرف ذاك الصحفي وهو يلاحق امراة تنظف حمامها فقط لأنها مشهورة. أما عن هؤلاء الذين يتحدثون عن النار و الجنة و كأنها تحت اشرافهم يوجهون لها من شائوا  هم اكثر الناس بحاجة للخوف من الله منذ أن نصبوا أنفسهم آلهة علينا.
كنت أود أن أكون قريبة جدا لترى انعكاسك في عيوني و تدركين ذاتك جيداً. أنا سعيدة جدا هذا الصباح ولو كان بإمكاني أن امنح السعادة للعالم لما ترددت.
محبتي 
مروة
 


0 التعليقات:

إرسال تعليق